يحكى عن المفكر الكبير مالك بن نبي، أنه زار مرة أحد المطاعم الفرنسية في المدة التي ذهب فيها طالبا للعلم بعد العام 1930، حيث جلس في طاولة فخمة ينتظر "الgارصون"
وحيداً، في وسط مجتمع جد راقٍ يثقبه بنظرات عميقة لها معانٍ كثيرة، والتي
لم تكن تؤرق إبن قسنطينة على الإطلاق لكونه واحدا من أكبر المفكرين اللذين
لا يهتمون للمظاهر النكرة بل يُجمعون على أن أهم ما يُميز هذه الحياة هو
السير بين أمواجها بثقة وثبات وعقل موزون بعيدا عن العاطفة الجوفاء،
المهم، وبعد إنتظارٍ لبرهة من الزمن وصل لمالك بن نبي ما طلب من أكل، فسمى
الله وشرع في تذوق ما لذ وطاب على الطريقة التقليدية رغم فخامة المطعم،
حيث كان يأكل بيديه كما يفعل الكثيرين في الأكلات الشعبية الجزائرية،
وبينما هو كذلك حتى تقدمت منه سيدة تبدو راقية في مظهرها، إذ أردات أن
تُحرج صاحب كتاب "الظاهرة القرآنية" بتقديمها له نصيحة ليس الهدف منها النصح طبعاً، فقالت له مشيرة إلى شوكات الأكل "Fourchette"، تقصد :"ولما صُنعت هذه يا سيدي؟"، فنظر إليها مالك بنظرة الواثق من نفسه الذي لا يأبه بالرقي إلا في ما يختلج العقل وأجاب :" Elles sont faites pour les mains sales et mes mains sont propres"، معناها "لقد إتخُذت من اجل الأيادي القذرة ويداي نظيفتان"،
بعد هذا الجواب المفحم , لم تجد المرأة من كلمات للرد بها فاستدارت وتركته
يأكل بحاله وما كانت النتيجة إلا أن شبع مالك وخرج من المطعم سعيدا
بالتأكيد.